أقدم رئيس الحكومة التونسي يوسف الشاهد على إحداث تعديل وزاري جديد، في ظلّ أزمة سياسيّة تعيشها تونس نتيجة الخلافات بين الشاهد ورئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي. ومن بين 13 وزيرًا جديدًا في هذا التعديل الحكوميّ، لفت اختيار وزير السياحة الجديد روني الطرابلسي الأنظار، باعتباره من الطائفة اليهوديّة في تونس. الوزير اليهودي الثالث في تاريخ تونس ينتظره تحدٍ صعب من أجل إعادة بعث السياحة في بلد يعاني من مشاكل اقتصاديّة وأمنيّة، في الوقت الذي أثار تعيينه جدلًا واسعًا من عدّة أطراف بسبب انتمائه إلى الطائفة اليهوديّة، في الأسطر التالية نتعرّف عن قرب على وزير السياحة التونسي الجديد.
روني الطرابلسي.. «متعهد» رحلات سياحية برتبة وزير
نشأ روني الطرابلسي وهو في العقد الخامس من عمره في جزيرة جربة (جنوبي تونس)، معقل الجالية اليهودية التونسية، ومزار الحج السنوي الذي يجتذب آلاف اليهود من العالم كل سنة، وقد برز والده جوزيف باعتباره أحد أهمّ زُعماء اليهود التونسيين منذ عام 1985 حتى الآن، فهو رئيس معبد الغريبة الشهير بجربة.
وزير السياحة الجديد روني طرابلسي
اتجه طرابلسي إلى مجال العمل السياحي، فبعد دراسته الإدارة في فرنسا، عاد ليؤسس في تونس وكالة سفر «Royal First Travel» التي تقدّم خدمات سياحيّة لنحو 300 ألف مسافر سنويًّا، وسرعان ما نشط في «الاتحاد الوطني للفنادق»، وأصبح يعدّ أحد أكبر رجال الأعمال التونسيين في فرنسا وأوروبا، واقترن اسمه بالزّيارة السنوية لليهود التي تتم في مايو (أيار) إلى كنيس الغريبة بجربة، للاحتفال بما يُعرف باللغة العبرية بعيد «لاك بعومر» اليهودي التقليدي، إذ ينسّق عبر شركته رحلات الحج اليهودي لهذا المزار.
قبل يومين اختار رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد 13 وزيرًا في تعديله الوزاري، وقد أثار هذا التعديل أزمة سياسيّة بين الحكومة والرئاسة بعد أن رفضه الرئيس التونسي الباجي القائد السبسي، لكن تعيين الطرابلسي وزيرًا للسياحة هو من حاز على نصيب الأسد من الضجّة الإعلاميّة والشعبيّة، ففيما يُتوقع أن اختيار الطرابلسي جاء ليعكس صورة للتعايش السلمي بين الديانات المختلفة في تونس، ويسوّق بالتالي إلى جوّ التسامح للسياح الأجانب؛ إلا أن هناك من انتقد اختيار رجل لمنصب وزير السياحة يمتلك وكالة سفر تجارية، فالقانون يمنع الجمع بين المنصب الوزاري والعمل الخاص، كما حظي الطرابلسي باتهامات التطبيع مع إسرائيل، التي لا تمتلك الدولة التونسيّة علاقات رسميّة معها؛ فيما نفى الوزير الجديد هذه الاتهامات إطلاقًا في تصريحه لإذاعة «موزاييك»: «هذا كلام خطير…أنا تونسي ولا علاقة لي بإسرائيل».
ماذا تعرف عن الأرض التونسية التي يراها بعض اليهود أكثر أمنًا من إسرائيل؟!
هل ينقذ الطرابلسي قطاع السياحة التونسي؟
لمواجهة أحد أهم المعضلات أمامه، يُعنى رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد بإيجاد حلول لإحياء السياحة، في بلد يعتمد على هذا القطاع الاقتصاديّ بشكل كبير باعتباره مصدرًا للعملة الصعبة، خاصّة بعد تضرّر هذا القطاع في السنوات الأخيرة بسبب الهجمات الإرهابية التي ضربت المنشآت السياحية.
تجمع اليهود في كنيس غريبة في جربة التونسية في اليوم الأول من الحج اليهودي السنوي إلى الكنيس
وكانت تونس حتى اندلاع الثورة في العام 2011 وجهة مفضلة للسياح الأوربيين، لكنها سرعان ما عانت من ضربات قاسية جرّاء تردّي الوضع الأمني، مما حدا بالحكومة التونسية الحاليّة للسعي نحو إيصال صورة مغايرة للسياح الأجانب عن الوضع الأمني في البلاد من أجل حثّهم على زيارة تونس. وقد شهد العام الأخير بعض التحسن في هذا القطاع، إذ وصلت التوقّعات إلى وصول 7 ملايين سائح سيدرّون حوالي 5 مليارات دولار على خزينة الدولة التونسية، لذلك يرجع المراقبون سبب اختيار الطرابلسي لامتلاكه خططًا طموحة لإحياء القطاع السياحي، فالرجل لديه علاقات داخل القطاع وخبرة طويلة تمكّنه من فتح أسواق جديدة، وتحسين عائدات السياحة وتعزيز حضور السياح الفرنسيين والألمان والبريطانيين إلى تونس، بحكم ارتباطه بعلاقات قوية مع المؤسسات السياحية هناك، ولقدرته على طمأنة المستثمرين الأجانب.
لكن الطرابلسي يرث هذه الوزارة مع تهمة التطبيع التي لاحقت من سبقه، كوزيرة السياحة التونسية السابقة أمال كربول، إذ إنه في العام 2014، أثيرت انتقادات كبيرة للوزيرة كربول لانتهاجها سياسة التطبيع مع إسرائيل، وسماحها بدخول عدد من السياح الإسرائيليين إلى تونس حتى دون تصاريح بالدخول ودون جوازات سفر.
يقول رئيس جمعية كنيس الغريبة الذي يدير المعبد منذ 1964 بيريز الطرابلسي أن: «أصدقاءه من اليهود لم يكفُّوا عن الاتصال به حتى آخر لحظة للتأكيد على رغبتهم في زيارة كنيس الغريبة خلال موسم هذا العام»، ويضيف لموقع «DW عربية»: «كان من المفترض أن يكون موسم هذا العام أحسن بكثير من سابقيه لكن مسألة وزيرة السياحة الأخير في المجلس التأسيسي عملت على سحب بعض الحجوزات، إذ تراجع البعض عن فكرة المجيء لجربة لزيارة الغريبة، ورغم ذلك فإن عدد الوافدين وصل الى 1500 يهوديًا جاؤوا من بلدان مثل فرنسا وإيطاليا وإسرائيل».
وقد واجه الوزير الجديد اتهامات بالتطبيع من طرف حركات مناهضة للصهيونيّة في تونس، إذ شنّت «الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع والصهيونية» حملة شرسة ضد الوزير متّهمة إياه بالتطبيع، كما رفعت ضدّه قضيّة أمام المحكمة الإدارية من أجل إيقاف تعيينه، ونقلت اتهامات -لم تثبت بعد صحّتها- عن امتلاكه الجنسية الإسرائيليّة، وهو الأمر الذي ينفيه الطرابلسي تمامًا.
الرابح الأكبر من أزمة «نداء تونس».. هذا الرجل قد يصبح رئيس تونس قريبًا
اليهود في تونس.. أقليّة لا تخشى النشاط السياسي
لم يكن الطرابلسي أوّل يهودي تونسي يصل لمنصب وزاري في الحكومة، فقد شغل اليهود في تونس مناصب وزارية وبرلمانية رغم منع الدستور التونسي في فصل 74 المواطن التونسي اليهودي من التقدم لانتخابات الرئاسية.
في عام 1955 وصل المحامي اليهودي التونسي ألبير بسيس إلى منصب وزير التعمير والإسكان في حكومة الطاهر بن عمار، وبعده بعام عُين اليهودي التونسي أندريه باروش نائبًا في المجلس التأسيسي، في حين أصبح وضع اليهود التونسيين الذين انخفض عددهم من حوالي 100 ألف قبل الاستقلال عن فرنسا في عام 1956 إلى ما يقدّر بنحو 1500 بعد ثورة 2011، وقد شهد العام الأول للثورة التي أطاحت الرئيس زين العابدين بن علي، ترشّح تونسييْن يهودييْن في انتخابات المجلس التأسيسي، الهيئة التي عهدت لها مهمة كتابة دستور تونس الجديد.
وفي أبريل (نيسان) الماضي، حل اليهودي التونسي سيمون سلامة على رأس قائمة «حركة النهضة» الإسلامية في مدينة منستير في الانتخابات المحلية في تونس التي جرت في السادس من مايو (أيار) 2018. وقال سلامة إن: «كل العائلة كانت ضد اختياري. شقيقي انزعج وزوجتي غضبت. ولم تتحدث معي لأيام، لكنني تمكنت في الأخير من إقناعهما».
وقد أثار ترشح سيمون سلامة الكثير من الجدل، خاصة من طرف خصوم «النهضة» الذين رأوا في ترشحه استغلالاً سياسيًّا لاستقطاب الناخبين، وقد عقّب روني الطرابلسي -باعتباره شخصيةً يهوديةً بارزة آنذاك- على هذا الترشح بالقول: «هذا الترشيح فخر للطائفة اليهودية حتى وإن كان يمثل نفسه فقط، هذا الترشيح يقدم صورة جميلة عن تونس المنفتحة».
وكان اسم الطرابلسي يتردد في كل تشكيل حكومي جديد، فقد طرح اسمه لمنصب وزير السياحة ثلاث مرات، كانت المرة الأولى ضمن حكومة حمادي الجبالي بقيادة «النهضة» والثانية في حكومة مهدي جمعة حتى حدث ذلك في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، ضمن تعديل وزاري أحدث ضجّة سياسية في تونس، فقد رفض السبسي تعديلات الشاهد المسندة قانونيًا، إذ يتيح القانون التونسي الصلاحية المطلقة لرئيس الحكومة للقيام بالتعديل الوزاري من دون التشاور مع رئيس الجمهورية، ويستثني من ذلك تدخل الرئيس بحقيبتي الدفاع والخارجية وهي حقائب لم يشملها التعديل الأخير للشاهد.
التطبيع مع إسرائيل في تونس.. معركة مستمرّة
رغم عدم وجود أيّة دلائل واقعيّة على علاقات روني طرابلسي مع إسرائيل؛ إلاّ أن الوزارة التي يشغلها متّهمة بتسهيل دخول إسرائيليين إلى تونس من أجل ممارسة طقوس الحج في كنيس غريبة بجزيرة جربة، وقد استُخدم التطبيع مع إسرائيل في فترة حكم بن علي باعتبارها أهم ورقة لكسب رضا واشنطن، فخلال هذه الفترة افتتحت إسرائيل مكتبًا للاتصال بتونس، وافتتحت تونس مكتبًا مماثلًا في تل أبيب، بموجب اتفاق وقع في العام 1995 بين وزير الخارجية التونسي آنذاك حبيب بن يحيى ونظيره الإسرائيلي إيهود باراك، وعلى إثر ذلك استقبلت تونس يهودًا إسرائليين في الزيارة السنوية لكنيس الغريبة، وكانت الرحلات الجوية مباشرة من دولة الاحتلال إلى جربة.
وبقيت الأمور على حالها حتى وقوع عملية انتحارية استهدفت كنيس الغربية في العام 2002، والتي سددت ضربة قوية لقطاع السياحة التونسي ككل، ولرحلات اليهود من دولة الاحتلال نحو زيارة الجربة، لكن في العام 2012 استأنفت الزيارات، كما وُجّهت دعوات لليهود التونسيين إلى «المجيء للإقامة في إسرائيل»، مما دفع رئيس الطائفة اليهودية التونسية بيريز الطرابلسي لرفض الدعوة وأجاب: «نحن تونسيون أبًا عن جد، وسوف نعيش ونموت في هذه الأرض».
وتمارس الآن الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطًا كبيرة على تونس لأجل عدم تشريع قانون يجرّم التطبيع مع إسرائيل، والذي تقدّمت به الجبهة اليسارية في سنة 2015، وما زال يثير ضجّة بسبب موقف الحكومة التونسية الرافض لسنّه، خوفًا من أن تتحول الضغوطات الأمريكية لقطع بعض المساعدات عن تونس، وهو موقف «حركة النهضة» الإسلامية أيضًا التي يتّهم عدد من السياسيين فيها بممارسة التطبيع السياسي مع إسرائيل لمشاركتهم في منتديات دوليّة جنبًا إلى جنب مع ممثّلين إسرائيليين.
لكن التونسيين الذين يخوضون صراعًا لوقف مظاهر التطبيع، تمكنوا في اليوم الثالث من هذا الشهر من تحقيق انتصار رمزي، حين قضت الدائرة الاستعجالية بالمحكمة الابتدائية في تونس، بمنع دخول وفد إسرائيلي للمشاركة في الملتقى العالمي لحوار الأديان الذي جرى عقده ما بين الرابع والثامن من شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.
يهود تونس: أقلية مزدهرة اقتصاديًّا تقف في وجه الإغراءات الإسرائيلية
أضف تعليقًا