كشف الكاتب المصري والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية محمود محيي، مفاجأة حول إنشاء دولة لليهود في فلسطين، وعلاقة أوروبا بالأمر.
وقال الكاتب المصري “يخطئ من يعتقد أن إنشاء الكيان الصهيوني لدولته على أنقاض أرض فلسطين العزيزة عام 1948 ميلاديا والتي عرفت بالنكبة كانت فكرة “صهيونية” خالصة اعتنقها بعض أتباع الديانة اليهودية منذ أن تم الإعلان عنها رسميا لأول مرة عام 1896م في كتاب “الدولة اليهودية” للصحفي اليهودي المجري المتطرف “ثيودرو هرتزل”، بل كانت فكرة أوروبية خالصة تعود للقرن الثامن عشر ميلادياً، بهدف نشر نفوذ المحتل الأوروبي في الشرق الأوسط”.
وتابع: “الكثير من أبناء الشعوب العربية لا يدركون أن فكرة إنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين بدأت منذ حملات الفرنسي نابليون بونابرت للمنطقة العربية، فهو أول زعيم أوروبي أدرك المنفعة السياسية لأوروبا من عرض فلسطين على يهود أوروبا لكسب دعمهم ماديا وعسكريا، ففي عام 1799 م نشرت أحدى الصحف الفرنسية خبرا يفيد أن بونابرت نشر رسالة حث فيها يهود قارة أوروبا وآسيا وإفريقيا للانضمام معه في حملته العسكرية ضد فلسطين مقابل تأسيس القدس القديمة لهم”.
وأشار إلى أنه بالرغم من هزيمة نابليون على أسوار مدينة عكا إلا أن فكرة إنشاء هذا الوطن المزعوم لليهود ظلت قائمة لدى قادة أوروبا لكسب المنافع من ورائها، فقد استلهمت بريطانيا الفكرة في بداية القرن التاسع عشر ميلاديا ردا على محاولات محمد علي باشا والي مصر لتوحيد مصر وسوريا وتأسيس امبراطورية تنافس الدول العظمى، ففي عام 1840م بعث وزير الخارجية البريطاني بالمرستون إلى سفيره في عاصمة الدولة العثمانية في أسطنبول رسالة حثه على مخاطبة السلطان العثماني وإقناعه بأن الحكومة الإنجليزية ترى أن الوقت أصبح مناسباً لفتح فلسطين أمام هجرة اليهود من أوروبا وكافة دول العالم.
وفي تلك الفترة كان التاجر اليهودي الفرنسي الكبير أدموند جيمس دي روتشيلد، الذي توفى عام 1845م من أكبر ممولي المستعمرات الصهيونية الجديدة في فلسطين، حيث مول وحده أكثر من 30 مستوطنة بتكلفة تخطت 14 مليون فرنك فرنسي في ذلك التوقيت، ولم يكن عدد اليهود في فلسطين حينها يتجاوز الـ 3000 يهودي.
وفي عام 1885م إي قبل “النكبة” بـ 63 عاماً ظهر لأول مرة في التاريخ العلم الصهيوني المعروف حاليا (ذات الخلفية البيضاء وعليها خطان أزرقان يتوسطه نجمة داود باللون الأزرق”، في مستوطنة “ريشون ليتسيون” اليهودية في فلسطين، وفي نفس العام ظهر لأول مرة اسم “الحركة الصهيونية” علنية، حيث استخدمه الكاتب النمساوي ناتان برنابوم، في مقالته للإشارة إلى الحركة التي تهدف لإنشاء وطن لليهود في فلسطين حيث أشتق اسم الحركة من جبل صهيون بالقدس المحتلة.
الجدير بالذكر أنه في خلال هذه الفترة كانت هناك طائفة يهودية تعيش في فلسطين وعدد من الدول العربية تحت حكم الدولة العثمانية ولكنهم كانوا يهود محللين لم يعتنقوا “الفكرة الصهيونية”، لكن عندما بدأت الهجرات اليهودية من شرق أوروبا وغيرها المعتنقين للفكر الصهيوني بدأوا ينشروا الفكرة وسط هؤلاء اليهود المحليين وهو ما ساهم في تعزيز بناء الوطن المزعوم لليهود في فلسطين نهاية القرن التاسع عشر ميلادياً.
وفي عام 1986م ظهر لأول مرة كتاب “الدولة اليهودية” للكاتب اليهودي الصهيوني المجري “ثيودور هرتزل” باللغة الألمانية، والذي وضع فيه الأسس العملية للمشروع الصهيوني الضخم، حيث دعا اليهود لضرورة التكاتف لبناء الوطن الجديد وبذل كل غالي ونفيث لتحقيقه، وبعدها دعا للمؤتمر الصهيوني الأول في “بازل” الشهير، ثم ترأس “المنظمة الصهيونية العالمية” المنبثقة من هذا المؤتمر عام 1904 م وبالرغم من ذلك كله لم يتحدث هذا اليهودي الأترأس وروبي أبدا اللغة العبرية ولم يذهب إلى فلسطين أبدا ولم يدفن فيها، لنتأكد أن الفكرة الصهيونية كانت فكرة أوروبية خالصة نابعة عن قادة أوروبا من أجل مصالحهم السياسية في المنطقة العربية.
ومنذ عام 1904م وهو نفس العام الذي ترأس فيه هرتزل المنظمة الصهيونية، بدأ التخطيط الفعلي لتهجير يهود أوروبا الشرقية وروسيا إلى فلسطين، ففي عام 1907م تم تهجير 60 ألف يهودي دفعة واحدة، بتمويل من “الصندوق القومي اليهودي” الذي تأسس من جانب المنظمة الصهيونية العالمية لتسهيل عمليات هجرة اليهود لفلسطين.
وظلت الهجرات اليهودية تدفق على أرض فلسطين الغالية حتى ظهر الوعد المشؤوم وعد من لا يملك لمن لا يستحق للصهيوني البريطاني، بإنشاء وطن قومي لليهود في نوفمبر عام 1917، من جانب الصهيونيى البريطاني وزير خارجيّة المملكة المتحدة آرثر بلفور، حينما بعث برسالة إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني، وذلك لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العُظمى وإيرلندا، وتم نشره في الصحافة البريطانية في 9 نوفمبر عام 1917.
كانت تهدف بريطانيا لزرع الدولة الصهيونية في قلب الوطن العربي لزعزعة استقراره وضرب الدول العثمانية من الدخل التي بدأت تضعف في ذلك الوقت وبسط نفوذها أكثر فيه وأيضا للخلاص من يهود أوروبا الذين كانوا يشكلون معضلة جيوسياسية في أوروبا ، وهو ما اعترف به هرتزل نفسه في كتابه الشهير “الدولة اليهودية” حيث أشار إلى أن اليهود في أوروبا مكرهون وعليهم أن يستغلوا هذه الكراهية لإقناع قادة القارة العجوز في مساعدتهم في إنشاء وطن قومي لهم بفلسطين وتهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين للخلاص من مشاكلهم.
“فبلفور نفسه الذي شجع الهجرة اليهودية لفلسطين هو أكثر الأوروبيين كراهية لليهود، بل وكان صاحب “قانون الغرباء” الذي يمنع دخول اليهود إلى إنجلترا، وفي مفارقة تاريخية عجيبة، فالذي رفض إعلان بلفور هو الوزير اليهودي في حكومة بلفور “مونتيجيز”.
وبالتالي استخدمت الحركة الصهيونية النظريات العنصرية الأوروبية لتبرير تهجير يهود أوروبا المنبذون منأوروبا إلى فلسطين، فقد مارست العصابات الصهيونية على رأسها عصابة “الهاجاناة” – والتي كانت النواة الأولى للجيش الصههيوني فيما بعد – عملية إبادة للشعب الفلسطيني وأحلت مكانه يهود أوروبا.
ولا يزال العلام العربي حتى يومنا هذا يدفع ثمن سياسات أوروبا الاستعمارية وأفكارها الاستغلالية بزرع هذا السرطان الصهيوني وسط أراضيه.