جاءت استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لمجلس النواب استجابة منه لبيان المرجعية الدينية العليا ٫ لتثير حزمة من التساؤلات عن السياقات الدستورية لتفعيل هذه الاستقالة ٫ في ظل غياب اي توضيح في الدستور بشان قيام رئيس الوزراء على تقديم استقالته لمجلس النواب ٫ فيما تحدث الدستور عن حالة قيام رئيس الوزراء عن تقديم استقالته لرئيس الجمهورية … فكيف ستكون المسارات الدستورية لتفعيل هذه الاستقالة .
وفق قراءة دقيقة لنصوص الدستور وخاصة تلك المتعلقة باختصاصات مجلس النواب و اختصاصات السلطة التنفيذية ، فانَّ المادة ٦١ / ثامناً /ب / ا و ٣ من الدستور هي المادة التي يجب تطبيقها على طلب الاستقالة المُقدّم من قبل رئيس الوزراء .
لماذا ؟
أولاً ، تم تكليف عادل عبد المهدي من قبل مجلس النواب ، وتم منحه ثقة الشعب للقيام بمهام عمله من قبل مجلس النواب وليس من قبل رئيس الجمهورية . ودور رئيس الجمهورية في تنصيب السيد رئيس الوزراء هو دور بروتوكولي ،السيد رئيس الجمهورية ، و وفقاً للدستور يقتصر فقط على تقديم مرشحّ الكتلة الأكثر عدداً الى مجلس النواب ، وهذا الأخير عليه منح الثقة او عدمها .
ثانياً ،مثلما بدء عمل و مهام رئيس الوزراء مرهون بثقة ،اي بموافقة مجلس النواب ، أقالته او استقالته، اي إنهاء عمله او إنهاء مهامه يجب ان تكون أيضاً بذات الطريقة التي تمَّ فيها عمله و مهامهِ ، وهذه قاعدة دستورية و قانونية عامة .
ثالثاً ، وردَ في المادة ٦١ /ثامنا /ب /أ ما يلي :
” لمجلس النواب سحب الثقة من أحد الوزراء و بالأغلبية المطلقة ، و يعد مستقيلاً من تاريخ سحب الثقة …”
لاحظوا ان الدستور استخدم مفردة مُستقيلاً وليس مُقالاً …. !
لا حظوا أيضاً ان الوزير لا يُعدْ مستقيلاً الا بعد اجراء سحب الثقة !
ماذا نستنتج :نستنتج بأن الدستور لم يميّز بين الاستقالة و الإقالة ، لقبول هذه وتلك وجبَ عرضهما على مجلس النواب واستحصال موافقته . و ألزمنا الدستور بهذا الإجراء للوزير ، إذن ، من باب أولى ان يطبّق على حالة رئيس الوزراء .
وهنا نستنتج أيضاً بأن ، لكي يكون اثر قانوني للاستقالة ، لايكفي تقديمها وإنما وَجَبَ قبولها .
والجهة المؤهلة لقبولها ليس رئيس الجمهورية وإنما مجلس النواب ، و عن طريق اجراء سحب الثقة .
رابعاً ، مهمة رئاسة الوزراء ،قائمة على ثقة سياسية شعبية ممنوحة لشخصهِ ، من قبل مجلس النواب ، و يمارس عمله بناءاً على الثقة الممنوحة لشخصه ، و عند تقديم استقالته يستمر في عمله رئيساً للوزراء ، و عند قبول استقالته ،بسحب الثقة به من قبل مجلس النواب ،يستمر لتصريف الأعمال ،لحين قبول مجلس النواب لمرشح آخر ، يمنح مجلس النواب الثقة لشخصه ،كي ستستطيع القيام بمهام عمله ، اي لا يمكن لرئيس الجمهورية او جهة أخرى ان تتولى تصريف اعمال رئاسة الوزراء ،لأنَّ الثقة الممنوحة من مجلس النواب هي لشخص رئيس الوزراء وتستمر هذه الثقة وتنتهي بانتهاء مهمة تصريف الأعمال المكّلف بها رئيس الوزراء .
لا يحق لأي شخص آخر ،غير رئيس الوزراء المستقيل ، بالقيام بتصريف اعمال رئاسة الوزراء ، و ذلك وفقاً للدستور .
خامساً ، لا علاقة مطلقاً للمادة ٨١ من الدستور والتي تنّصُ على ” خلو منصب رئيس الوزراء ” ،بالحالة التي يواجهها العراق اليوم . هذه المادة وردت لحالات خاصة و استثنائية ( حالة الوفاة او المرض المُعاق او الاغتيال ) ،اي الحالات غير السياسية والمفاجئة .لذا ، المادة لمْ تمنح رئيس الجمهورية حق ممارسة تصريف الأعمال ، وإنما يحل بروتوكولياً محل رئيس الوزراء ، و جاء نص المادة دّلاً على ذلك بالقول ” يقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس مجلس الوزراء ،عند خلو المنصب … ” . لم يرد النص ” يقوم رئيس الجمهورية بمهام او يتولى رئيس الجمهورية تصريف الأعمال ….
السبب : هو أنَّ رئيس الجمهورية لم يحظْ بموافقة مجلس النواب على اداء مهام رئاسة الوزراء .
سادساً ، دستوريا ،. وحسب ما نراه ، على السيد رئيس الوزراء ، حين يقرر تقديم الاستقالة ، ان يقدّمها الى رئيس مجلس النواب ، و ليس الى السيد رئيس الجمهورية ، كونه لا يزال يشغل منصباً بثقة مجلس النواب ، ومجلس النواب هو الذي سيقرر قبول الاستقالة بآلية التصويت بسحب الثقة ؛ ولأنَّ رئيس الوزراء مُساءل أمام مجلس النواب وليس أمام رئيس الجمهورية .
والسؤال الكبير كيف ستسير قاطرة الاستقالة وسط تاويلات مواد الدستور ووسط غياب محطات تناست الحديث عن حالة اقدام رئيس الوزراء على تقديم استقالته لمجلس النواب . لاشك ان الشعب سينتظر طويلا حتى تنجلي الغبرة وعندها سيكون الشعب قد فاق على غياب ريما سنة حتى يشهد حكومة جديدة ان لم تكن الفترة اكثر من ذلك وهو ماىؤثر على جوهر المطالب الشعبية في توفيرالعمل وانهاء البطالة ومحاربة الفساد ٫ وهي المطالب التي استغلها المشروع الامريكي الذي ركب موجة هذه التظاهرات بادوات منظمات المجتمع المدني والجماعات الدينية المنحرفة ليحقق له وجود سياسيا في العراق اكثر مما هو متحقق له الان حيث يمتلك ثلاثة الاف موظف ييعملون في سفارته ويمتكل اكثر من عشرين الف جندي ونجو اثنتي عشرة قاعدة عسكرية منتشرة في البلاد .
د . جواد الهنداوي .