كشفت حادثة احتجاز قوات “المارينز” البريطانية لناقلة النفط الإيرانية Grace1 في مضيق جبل طارق لإيران ٫ عن افتقار الدول الأوروبية لسيادة واستقلال حقيقيَّين، وارتهان سياستها الخارجية للقرار الأميركي الهادف لحصار طهران تمهيدًا لخنقها اقتصاديًا وسياسيًا.
ومع الاصطدام بالإرادة الإيرانية، شرعت واشنطن وحلفائها بخطوات استفزازية بهدف دفع طهران لرد فعلٍ سريع يفتح المجال أمام حرب شاملة عليها. لكنّ العارف بخيوط اللعبة الدولية، يدرك أنه لا يمكن لواشنطن والدول الأوروبيّة تخطي الخطوط الحمراء لإيران وعدم انتظار رد إيراني قوي على غرار إسقاط المقاتلة الأميركية المسيرة بصاروخ إيراني الصنع في مياه الخليج، وعجز واشنطن،بكل عظمتها،عن الرّد.
ومع مرور 50% من النفط البريطاني من مضيق هرمز، ومع حاجة بريطانيا للمضيق أكثر من حاجة إيران لمضيق جبل طارق، يصبح السؤال مشروعًا حول موقف لندن وواشنطن فيما لو قررت إيران تنفيذ تهديداتها واحتجاز ناقلات نفط أوروبية في مضيق هرمز، مع ما يحدثه ذلك من خلل كبير على صعيد تجارة النفط الدولية.
*خطوة استفزازية مُحاكة بتنسيق أميركي بريطاني
لقد كان احتجاز ناقلة النفط المحملة بالنفط الايراني في جبل طارق خطوة استفزازية مُحاكة بتنسيق أميركي بريطاني على أعلى المستويات، في محاولة لتدويل منطقة الخليج للحؤول دون حصول إيران على ذراع قوة في مضيق هرمز تتحكم عبرها بمسار تجارة النفط عالميًا ٫ فيما إيران في المقابل تنظر للأمور بواقعية ونظرا لموقعها الجيوبوليتيكي القوي في المنطقة، فإنها عندما تهدد فانه تهديدها مدروس ودقيق، ويؤكد أن إيران لا تُستفز، وأنها قادرة على الرد بالمثل ٫ وبريطانيا تدرك أن ما قامت به لن يؤدي لحرب شاملة مع إيران، فـ”الضعيف يقوم بحركات بهلوانية أمام القوي لاستفزازه، والدليل أن دولة عظمى مثل الولايات المتحدة لم تحرّك ساكنا عقب إسقاط إيران لمقاتلتها في مياه الخليج”.
الإعلامي الإيراني محمد غروي اكد أن الوجه الآخر لبريطانيا بدأ بالظهور، ويقول إنها “كانت موافقة على خروج اميركا من الاتفاق النووي، وطوال مدة 14 شهرًا كانت الدول الأوروبية تناور لإبقاء إيران تحت الضغوط المفروضة عليها، ما يجعل الاتفاق النووي في مهب الريح” ٫ مؤكدا أن لدى إيران جرأة كافية لاحتجاز ناقلة نفط بريطانية للحؤول دون تكرار الخطوة الاخيرة، لكن طهران التي تفسح في المجال للدبلوماسية تدرك ان لديها قدرة على الرد على احتجاز الناقلة التي تحمل نفطها والمحتجزة في مياه جبل طارق، وعندها لتتحمل بريطانيا وأوروبا التداعيات.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق د.بسام أبو عبدالله أن إصرار القيادة الايرانية على ايصال النفط الى سوريا دليل على قوة العلاقات الايرانية السورية ومتانتها وعمقها كجزء اساسي من محور المقاومة، وبالتالي يدل هذا اولاً على حجم تواطؤ الانظمة العربية التي لا تتخذ قرارات سيادية، خاصة ان قناة السويس ممر دولي يجب ان يحترم كل الناقلات التي تمر به.
ويشدد الدكتور عبد الله الباحث في العلاقات الدولية في جامعة دمشق على أن كل الضغوط لن تثني ايران وسوريا عن المضي قدما في تحقيق الانتصار الكبير الذي سينعكس على العلاقات الدولية المعاصرة وعلى تشجيع دول مثل غرب اميركا على الخروج من المظلة الاميركية.
وعن الرد الإيراني يقول الدكتور عبد الله “ستلجأ ايران اولاً للاساليب القانونية والسياسية وستضغط بكل السبل، لكن اذا وجدت ان الضغط على سوريا مقصود فإيران سترد بالمثل حتى لا تصل صادراتها النفطية إلى الصفر، وحتى لا تسمح للغرب بالتمادي”.
إذن ، يمكن القول إن ما حصل في الآونة الأخيرة يكشف عن خطورة المرحلة القادمة، واشنطن-رغم كل الأصوات المتعطشة للحرب في صفوف قياداتها-لا تريد الحرب، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، يتوجب على واشنطن أن تكون دقيقة في حساباتها فيما يخص استفزاز إيران ودفع المنطقة لما لا يُحمد عقباه، كما أن على الأوروبيين التحرر من الضغوط الأميركية، للمحافظة على الاتفاق النووي والعلاقة مع طهران، وبالتالي لحفظ الأمن والسلم الدوليين.