تبادل كل من ترامب والقادة الايرانيون التصريحات النارية بشكل غير مسبوق مع اقتراب موعد السادس من أغسطس، تاريخ إعادة فرض الحزمة الأولى من العقوبات الامريكية الاحادية الجانب ضد إيران، وصولا إلى مزيد من الضغط لمنع طهران من تصدير نفطها وحصارها بشكل خانق محكم هذه المرة، بانتظار استسلامها كما يتوهم ترامب ووزير خارجيته بومبيو.
في السنوات الاخيرة حدثت احتكاكات عديدة، كان بعضها بالغ الخطورة، بما في ذلك واقعة احتجزت فيها قوات حرس الثورة الاسلامية البحرية زورقين حربيين أمريكيين على متنهما 10 بحارة، تسعة رجال وامرأة، كان اخترقا المياه الإقليمية الإيرانية في يناير 2016. في عملية مفاجئة اظهرت القدرات العسكرية المتطورة لسلاح البحرية الايرنية بشكل عجز فيه طراد امريكي قريب من البحارة الامريكيين من انقاذهم من قبضة ق،ات سلاح البحرية الايرانية.
واكثر من ذلك فقد فشلت حاملة الطائرات “ترومان” من انقاذهم رغم قيامها بمناورة خطرة وإرسالها طائرة مروحية في محاولة لإنقاذ البحارة الأمريكيين دون جدوى حيث ، قامت قوات بحرية الحرس الثوري بإجراءات مضادة. وانتهت المشكلة بسلام، وتم إطلاق سراح البحارة بعد وقت قصير من احتجازهم،
كل ذلك يدفعنا إلى الوراء، وتفحص ما جرى في سنوات الثمانينيات بين الجانبين من احتكاكات بالغة الخطورة وبعيدة الأثر .
البداية حدثت في أبريل 1980، حين نفذت الولايات المتحدة عملية إنزال كبرى أطلقت عليها اسم “مخلب النسر” بهدف تحرير الرهائن الأمريكيين في طهران.
حيث قرر مجلس الامن القومي الامريكي في عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر، أرسال طائرات مروحية وطائرات نقل عسكرية من طراز سي 130 ووحدة خاصة من قوات الانزال المارينز إلى صحراء “طبس” الواقعة شرق البلاد في عملية بالغة السرية بهدف التوجه من طبس علي طهران بمساعدة عملاء في محاولة لانقاذ رهائن السفارة الامريكية ، إلا أن الأمور لم تسر كما ينبغي منذ البداية، واكتملت مصاعب الأمريكيين بعاصفة رملية دفعتهم إلى محاولة التراجع، وحينها اصطدمت طائرة مروحية بطائرة شحن عسكرية، ما أدى إلى اشتعال النار فيهما ومقتل 8 عسكريين أمريكيين في واحدة من فضائح هزائم العمليات السرية الكبرى لقوات الجيش الامريكي .
وعلّق حينها المرشد الأعلى الإيراني الخميني قائلا: “إن الله قد أنعم على الحكومة الإسلامية بمعجزة العاصفة الرملية”.
الصدام العسكري الثاني تصادف وقوعه هو الآخر في شهر أبريل عام 1987، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وفي أوج ما عرف حينها بحرب ناقلات النفط بين الجانبين، حيث ردت البحرية الأمريكية على مهاجمة زوارق إيرانية ناقلة النفط الكويتية “سي إيسل سيتي”، وكانت تحمل علم الولايات المتحدة، بتدمير منصتي نفط إيرانيتين في الخليج، وبعدها أغرق الأمريكيون زوارق وسفن حربية ايرانية ، حين حاول الإيرانيون مواجهتهم.
لم يختلف الصدام العسكري الثالث في موعده عن الحدثين اللذين سبقاه، وكان تاريخه أبريل 1988، وحينها اصطدمت الفرقاطة “يو إس إس صامويل ب. روبرتس”، بلغم إيراني في المياه المحايدة، وفق الرواية الرسمية الأمريكي، ما أدى إلى إصابتها بأضرار خطيرة، وردت الولايات المتحدة بعملية عسكرية أطلقت عليها اسم “فرس النبي”، ودمرت خلالها زورقين إيرانيين، ما أدى إلى مصرع 55 بحارا، في حين نجح الايرانيون في اسقاط مروحية أمريكية وقُتل طياراها.
هذه السلسلة من العمليات العسكرية المباشرة لم تنته بسلام بل بكارثة مأساوية، حدث ذلك بعد عدة أشهر، حين أسقط الطراد الأمريكي طائرة ركاب مدنية إيرانية فوق الخليج بواسطة صاروخ مضاد للجو، ما أودى بحياة 290 شخصا، بينهم 66 طفلا في واحدة من اكبر جرائم القوات الاميركية ضد الشعب الايراني .
والان حاول ترامب وبلهجته المعهودة الخالية من الدبلوماسية ان يوجه تهديدات مباشرة للرئيس روحاني وللنظام الاسلامي ٫ في منتصف الشهر الماضي ٫ ولكن جاءت التهديدات المزلزلة التي وجهها قائد فيلق القدس في حرس الثورة الاسلامية اللواء قاسم سليماني الى الرئيس الامريكي ترامب ٫ لتوضح الاستعداد الايراني لمواجهة اية حرب يشنها ترامب ضد بلادهم وخاطبه قائلا : ان التهديدات التي اطلقتها هي تهديدات مقامر تعود على ارتياد الملاهي ٫ وانا اقول لك : نحن اقرب اليك مما تظن ٬ واذا كنت ستكتب بداية العدوان على شعبنا ونظامنا الاسلامي فاعلم باننا وحدنا القادرون علي كتابة نهايتها ونحن بانتظارك .
رغم مرور اكثر من عشرة ايام على تهديد اللواء قاسم سليماني فلم يجرؤ ترامب على توجيه اي رد عليه ٫ بل سارع وزير دفاعه ماتيس بعد 24 ساعة الى اطلاق تصريح تضمن تراجع كبيرا عما دعا اليه وزير الخارجية الامريكي بومبيو لتغيير النظام الاسلامي داعيا الجالية الايرانية في الولايات المتحدة للعمل على دعم الاحتجاجات والتظاهرات والعمل لتغيير النظام الاسلامي . وقال ماتيس : لانخطط لتغيير النظام في ايران بل نسعى لتغيير سلوكها . حسب مزاعمه.
كما سارع ترامب ليعرض الحوار مع الرئيس روحاين دون شروط ٫بعد تهديدات اللواء قاسم سليماني ٫ وتوهم ترامب ان بمقدوره ان يرضخ الايرانيين ويجبرهم على الحوار ٫ واذا بقائد حرس الثورة الاسلامية اللواء جعفري يصدر بيانا يوم امس الثلاثاء يعلن فيه انه لن يقوم اي مسؤول ايراني بالتفاوض مع الشيطان الاكبر في اشارة لامر يكا وترامب ٫ وجاء هذا التصريح فيما اعلنت مسقط ان وزير خارجيتها بن علوي سيقوم بزيارة الى طهران يوم الجمعة الماضي ٫ دون ان تذكر مزيدا من التفاصيل فيما يعتقد المراقبون ان بن علوي سيصل طهران حاملا عروضا اميريكية لتخفيف التوتر بين البلدين ٫ وهو ما لا يبدو انه سيحقق شيئا فيما تعمل الولايات المتحدة وبدعم اماراتي وسعودي لضرب ” الريال ” العملة الايرانية التي بلغ قيمتها مقابل الدولار نحو تسعمائة بعدما كانت قيمتها ربعمائة وخمسون ريالا للودلار الواحد ٫ وتسبب انخفاض قيمة الريال الايراني في اندلاع احتجاجات تبين ان كثيرا منها كانت بفعل عملاء للمخابرات الامريكية والسعودية اندسوا في التظاهرات واطلقوا شعارات ضد رجال الدين وضد الثورة الاسلامية وهتفوا بحياة الشاه محمد رضا بهلوي .٫ ولاينتظر ان يصبر المسؤولون الايرانيون على هذه الحرب فلابد ان تشهد الاسابيع المقبلة او الايام المقبلة اجراءات ما لمعاقبة السعودية والامارات وكذلك الولايات المتحدة لتورطهم في مشروع امني وسياسي واستخباراتي واقتصادي بمستوى الحرب لاضعاف نظام الجمهورية الاسلامية والعمل على تقويضه كما يخططون .
المصدر : نهرين نت + راديو اوستن