أخبار عاجلة
الرئيسية / الشرق الأوسط / نظريات ودراسات حول الثورة الاسلامية في ايران – بحوث وتقييم
الثورة الاسلامية الايرانية

نظريات ودراسات حول الثورة الاسلامية في ايران – بحوث وتقييم

على اعتاب ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في ايران ، يجدر بنا ان نقر او نعترف بان ابعادا مختلفة من هذه ‎الحركة الجماهيرية واثارها الكبرى ما زالت باقية قيد الكتمان ولم تكشف بعد .

‎ ‎من خلال عرض نظريات ورؤى مختلفة بل ومتقاطعة ، يحاول هذا الكتاب ان ‎يتفحص هذه الظاهرة المهمة في القرن العشرين تفحصا علميا ، لاسيما حين يوضح ‎المحرر في مقدمة الكتاب كيفية اختياره للمقالات والبحوث المعروضة وكيفية ترتيبها ‎منطقيا .
ان عرض المواقف المتعاطفة معا لدولة وكذلك المتقاطعة اي المضادة لحكومة ‎الثورة الاسلامية ،مع استخدام اللغة الوصفية في كشف الحقائق وملاحقتها في ايران ، ‎جعلت الكتاب اكثر جدة واكثر جاذبية واثارة ومتعة .
“ان الامام الخميني سيظل يحكم من قبره عقود طويلة من السنين” . هذه العبارة ‎اطلقها احد الصحفيين الغربيين من الذين كانوا يتابعون مراسم تشييع ودفن الامام ‎الخميني عام 1989 ، ولعله يقصد بها ان اسلامية الثورة في ايران ، او (اسلام) قائدها ‎الذي يختلف عن (اسلام) الاخرين ـ كما ستقرا في فصول هذا الكتاب ـ سيبقى حاكما في ‎هذا البلد ولو بوجوه مختلفة وقراءات متباينة .
واذا صح القول: بان انتصار الثورة الاسلامية في ايران قد اقترن باسم قائدها ‎الديني اكثر من اقترانها بايديولوجيتها الدينية ، فان هناك خيطا رفيعا بين العنصرين ‎يحدده الثوار الذين يصنعون التاريخ ، او التاريخ الذي يصنع الثوار ـ حسب راي ‎اخرين ـ .
نعم ، هناك مسافة بينة بين قراءة الامام الخميني للاسلام وفهمه للدين ، وخاصة ‎للتشيع ، دين الرفض والثورة ـ كمايصفه المؤرخون ـ وبين فهم الاخرين وقراءتهم له ‎من الذين ينتظرون ظهور الامام الثاني عشر ليحل المشكلة ، ولا يرون للدين شانا ‎بالسياسة والحكومة مادام عليه‏السلام غائبا ، حتى تحول التشيع لديهمفي بعض مقاطع ‎التاريخ الاسلامي الى تشيع (كهنوتي) لا يختلف كثيرا عن (الكهنوت الكنسي) في تحفظه ‎وصمته وتحجره او مداراته للسلاطين والانظمة الطاغوتية الرسمية .
ان القراءة ذات البعد الواحد في كل المذاهب والنظريات والثورات تبقى بالتاكيد ‎قراءة سطحية او عرجاء .
ولعل اهم ما في هذا الكتاب ، انه راح يقرا خلفيات الثورة ‎واسباب انتصارها وعوامل الانتصار بعدة اقلام وعدة رؤى ، يظهر التدافع بينها جليا ، ‎وذلكبتقديم عامل على اخر او سبب على اخر بعد عشرين سنة على انتصارها . فبين ‎من يقدم العامل الديني ، وبين من يقدم العامل الاقتصادي او الاجتماعي ، وبين من يرى ‎اهمية العامل السياسي وقمع الشاه ودكتاتوريته ، وبين من يؤكد ان سبب الثورة ‎المباشر هو التحديث او التجديد او مرض الشاه بالسرطان ، او ضغوط كارتر على ‎الاخير لتطبيق سياسة حقوق الانسان او فساد المؤسسة الحاكمة وانتشار الرذيلة ‎وهجرة القرويين الى المدن ، او حادث استشهاد السيد مصطفى الخميني او المقالة ‎المهينة للامام التي نشرت في جريدة اطلاعات وامثال ذلك .
ان مجموعة المقالات في هذا الكتاب تشكل بمجملها قراءة تحليلية واعية لمثقفات ‎ايرانيات واساتذة وعلماء ومثقفين ايرانيين ومنظرين لم يتهيبوا في طرح رؤاهم ‎ونظرياتهم رغم التدافع الظاهر بتداخل الاسباب والنتائج او اشتباك خلفيات الثورة مع ‎تمظهراتها الخارجية ، مؤكدين جميعهم ان ايران (جزيرة الاستقرار) في الشرق ‎الاوسط ـ كما سماها كارتر ـ قد تحولت الى مركز ثورة في حقبة زمنية بالغة ‎الحساسية ، ثم ثورة شعبية عارمة نفذهاشعب اعزل فقير ضد حاكم دكتاتوري غاشم ‎مدعوم اجنبيا، حكمالبلاد بترسانة عسكرية هائلة وجيش قوامه 000ر700 رجل ‎مدججين باحدث انواع الاسلحة .

خميني
قاد الثورة رجل من المؤسسة الدينية حالا فيها كرصاصة انطلقت من القرن ‎السابع الميلادي لتستقر في قلب القرن العشرين ـ كما وصفه محمد حسنين هيكل في ‎حينها ـ فتحول الى شمعة صغيرة قدرت طاقتها الانفجارية بـ الف قنبلة نووية ـ على حد ‎تعبير احد الكتاب الظرفاء ـ كما سترى . هكذا وفي نفس السياق قال اخرون: “ان قراءة الامام الخميني للاسلام والتشيع هي التي منحت الناس القوة والطاقة الثورية ، ‎وانه هو لا غيره الذياجاب على السجالات المتعلقة بالمواجهة المريرة بين الاسلام والحداثة ، ‎وان اسلامه كان اسلاماثوريا وفق في توظيف نصه القديم بمهارة فائقة ، ليتواءم مع الواقع ‎الجديد ، بعد ان ضاق ذرعا بالاخرين ولم يستطع الائتلاف معهم في قراءاتهم التقليدية ‎والمحافظة ، فبث الحياةفي الجسد الشيعي نصف الميت في ايران ، في نفس الوقت الذي وجه ‎ضربته القاضية للجسد الشاهنشاهي الملكي المشلول” فصار الرجل رمزا دينيا ساحراليس ‎للمتدينين فقط وانما لغير المتدينين وحتى لخصوم الدين .
اما مسالة (ولاية الفقيه) و (الجمهورية الاسلامية) فقد كانا مجرد مفهومين ‎غائمين حاضرين في اذهان الجماهير بلا تفاصيل ، وان كان الشهيد مطهري قد قال عام ‎1980: “ان علماء الدين لم يكن لديهم النية في الحكم ،وان الولي الفقيه ربما ياخذ دور المنظر ‎الايديولوجي وليس الحاكم” ـ كما ستقرا في احدى مقالات هذا الكتاب ـ .
هذه الظاهرة ‎الفريدة التي صدمت توقعات ونظريات علماء الاجتماع وعصفت بحساباتهم واربكت ‎مجساتهم وتركت اعمق الاثر على الافكار والرؤى الموجودة فعلا في العلوم الاجتماعية ‎والسياسية، ولفتت بلاشغلت اهتمامات العديد من المفكرين والمثقفين المتابعين .
ان ‎التساؤلات الكثيرة التي تبدا بـ (كيف) و(لماذا) انتصرت هذه الثورة؟ اصبحت عناوين ‎بارزة استغرقت مقالات وبحوث وكتب كثيرة ومتنوعة داخل ايران وخارجها .

شاه
كيف ‎خسر الشاه سلطانه؟ وكيف انقلبت عليه الاوضاع وهو المؤيد والمدعوم بالقوى الاجنبية ‎ولديه جيش قوامه 000,700 رجل؟ هذا هوالسؤال الذي استحوذ على عقل الشاه نفسه ‎وشل تفكيره ايام (الانقلاب) او الثورة .
وبما انه لم يجد جوابا شافيا ودقيقا لهذا السؤال ، راح يصدق ما صور له او تصوره ‎من ان هناك مؤامرة دولية تقودها او توجهها قوى عظمى ضده وضد ملكه .
وبعد عقدين من انتصار الثورة الاسلامية ، وفي اطار بحر غامر من الكتابات على ‎هذا الصعيد، ما زالت اسباب انتصار هذه الثورة سرا غامضا لم يكشف للكثيرين ، ودليل ‎ذلك وجود او بروز تحليلات متناقضة واراء متدافعة في كشف عناصر وعوامل الانتصار ‎في هذه الثورة.
التحدي الاكبر الذي واجه ويواجه المنظرين الاجانب في هذا السياق ، ‎هو فقدانهم الرؤية الثقافية المقارنة ، او الفهم اللازم لتفاصيل مفردات هذه الظاهرة ، وابعاد ‎التحرك الثوري للشعب الايراني .
ربما يكون التحدي الاهم امام اغلب المحللين المحليين هو فقدانهم لعمق ‎التحليل الذي يقودهم احيانا الى استخلاص نتائج سطحية في نهاية طرحهم وفي مثل هذا ‎الحدث التاريخي الهام .
اضافة الى ذلك ، هناك نقاط مهمة تتعلق بجوهر الثورة الاسلامية ‎نفسها ، احداها: الانتصار السريع وغير المتوقع لهذه الثورة ، فضلا عن تباين القوى التي ‎انصهرت فيها وشاركت في تحقيق انتصارها .
وفي الحقيقة ، هناك اسباب وعوامل اخرى ‎عديدة منها قيادة الامام الخميني (رض) ودور الاسلام والايديولوجية الشيعية ‎والمشاركة الجماهيرية الواسعة وفرصة تعبئة الجميع في لحظات تاريخية حاسمة ، ‎وكذلك الاجواء السياسية المفتوحة (وفقا لشعار كارتر حول حقوق الانسان) ، وصمم ‎وانصعاق القوى العظمى ،ومرض الشاه، وانهيارالتنسيق بين الفعاليات الاقتصادية ‎والثقافية والسياسية وعامل التحديث (كعامل طارى‏ء) ، كلها اجتمعت في لحظة تاريخية ‎نموذجية واحدة وحققت ذلك الانتصار الخاطف الفريد .
لقد تم جمع وتنقيح عدد من وجهات النظر المهمة المتعلقة بجذور وامتدادات ‎وخلفيات الثورة الاسلامية الايرانية في هذا الكتاب ، كما تم حصر وتصنيف اسباب ‎انتصارها في ست مقالات او رؤى ، هي: ‎
1 ـ نظرية المؤامرة .
‎ 2 ـ نظرية التحديث .
‎ 3 ـ النظرية الاقتصادية .
‎ 4 ـ النظرية الدينية .
‎ 5 ـ النظرية الدكتاتورية .
‎ 6 ـ ونظرية القيادة الدينية .
‎ ومن هذا التصنيف ، سوف نشير لسبع مقالات في هذا الطرح .
فاصحاب نظرية ‎المؤامرة بعيدون جدا عن الواقع حيث افردنا لهم ايضاحات في عنواني المقالتين السادسة ‎والسابعة .
وفي الحقيقةلقد كشف الزمن عن خواء نظرية المؤامرة هذه . وحتى لو كانت ‎هناك بعض الشكوك في اذهان البعض في ايام الثورة الاولى مما يشير الى تدخل القوى ‎العظمى وضلوعها في تحقيق الانتصار ، الا ان هذه الشكوك قد تبددت الان تماما في ‎الذكرى الحادية والعشرين لوقوع هذا الحدث التاريخي الهام ، ولم تعد لهذه الرؤية اذن ‎صاغية ، الا لدى عدد ضئيل لا يعتدبه اصلا في الحسابات التاريخية المسؤولة .
‎ 1 ـ جاءت المقالة الاولى تحت عنوان “لمحة خاطفة نحو المداخل المختلفة في ‎دراسة الثورة الاسلامية الايرانية” لـ (حميرا مشير زادة) . نشرت الطبعة الاولى منها في مجلة ‎(راهبرد) العدد 9 ربيع 1996 .
خلاصة هذه المقالة تصلح لان تكون مقدمة لعرض ‎وجهات النظر الاولى التي سوف تطرح وتناقش بالتفصيل . اضافة الى ذلك ، وبعيدا عن ‎التحليلات العلمية والاعلامية ، تناقش مشير زاده خمسة عناصر مهمة ، مؤكدة على ما ‎يلي:
* اهمية العوامل الثقافية .
‎ * اهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية .
‎ * العوامل النفسية .
‎ * المدخل السياسي للثورة .
‎ * المدخل السببي او منهج تعدد الاسباب .
تختتم الكاتبة مقالتها بالتاكيد على ان المنهج او المدخل السببي الاخير يمكن ان ‎يساعد في فهم وتوضيح هذا الحدث التاريخي الهام شريطة ان تتمحور عناصره المتفاوتة ‎في اطار نظري دقيق .
تاسيسا على ذلك ، ومن الاشارة الى الاسباب والعوامل المختلفة ، فان المنهج ‎السببي هذا يمكن ان يكون ذا قدرة توضيحية مهمة اي اكثر اهمية من المناهج او ‎المداخل الاخرى.
السجال الان هو: اولا: اننا يجب ان نطرح بدقة هذه الاسباب ‎والعوامل ،وثانيا: اننكون حذرين من ان التاكيد على المدخل المذكور لا يقودنا او ‎يستدرجنا الى العموميات اكثر من اللازم التي قد تنتهي بنا الى الضبابية والغموض .
‎فالثورة ، كاي حدث اجتماعي اخر ، تتشكل من خلال اتحاد اوائتلاف عشرات العوامل ‎الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية .والنقطة المهمة هي: “اي من هذه العوامل ‎هو الاهم وكيف التحمت في افراز هذه الظاهرة؟” .
وكما هو مدون ، فان مقالة مشير زاده ‎تصلح ببساطة لتقديم التقنيات المختلفة لتحليل الثورة الاسلامية كما ان تصنيفها لهذه ‎المداخل جاء مبتكرا بحيث يمنح القارى‏ء امكانية التصنيف وكذلك امكانية دراسة كل ‎رؤية من الرؤى الواردة في اطارها او استحقاقها الخاص .
انها وضعت نظرية امير ارجمند ‎في اطار المنهج الثقافي مثلا ، فيما نحن نستحسن ـ من وجهة نظرنا ـ ان توضع في الاطار ‎العللي المتعدد الابعاد .
هذه المسالة سوف تناقش بالتفصيل في المقالة السابعة .
2 ـ سميت المقالة الثانية: “التجديد او (التحديث) والثورة الاسلامية” وجاءت بمثابة ‎اقتطاف من كتاب (جذور الثورة) (Rootsof Revolution) الذي يعتبر ترجمة لتاريخ ‎ايران بقلم نيكي كدي Nikkie Keddie. وتؤكد كدي ايضا على الاسباب المتعددة اكثر من تاكيدها على التحديث ، مثل ‎الايديولوجية الثورية والعوامل الاقتصادية والسياسية .
ومع ذلك فانها تركز بشكل اساس على مسالة التحديث . ولهذا السبب اطلقنا ‎على هذه المقالة عنوان “التحديث والثورة الاسلامية” .
انصار هذه النظرية يلاحقون ‎بدايات الثورة وجذورها في مطلع الستينات .ففي تلك الفترة وتحت ضغط شديد من ‎قبل الولايات المتحدة تبنى الشاه مشروع اصلاح الارض ومشاريع التنمية ، ولما كان ‎التقدم في مشروع التنمية الاقتصادية قد واجه عقبات عديدة في ايران ولم يكن متوائما ‎مع التنمية السياسية فقد نشبت ازمة حادة بين سنتي 1978 ـ 1979 .وكان تالف العوامل ‎الاخرى هو السبب في اندلاع الثورة الايرانية .
تم في هذه النظرية رصد اهم اسباب انتصار الثورة الاسلامية ، اذ اصبحت قريبة ‎جدا من هدفها الكبير . ان مجرد تنافر بسيط بين التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي ـ الاقتصادي لا ‎يمكن ان ينهض بتوضيح سر انتصار الثورة الاسلامية الايرانية .
واذا وضعنا عوامل اخرى ‎كالايديولوجية الشيعية الثورية والقيادة الفريدة للامام الخميني كعوامل ثانوية ، فاننا ‎سنبتعد كثيرا عن الحقيقة .
الذي يبدو منطقيا هو ان نظرية الحداثة يمكن ان تجسد فقط ‎كارضية مهمة لظهور الثورة الاسلامية و(ضمور شرعية الامبراطورية) او اضمحلالها . هذه ‎الفكرة بالذات تم توظيفها في المقالة السابعة ، الامر الذي جعلها مفعمة بالشواهد الحسية ‎حتى النهاية.
3 ـ الدارسة الثالثة هي: “جمهورية ايران الاسلامية في منظور مقارن” بقلم سعيد امير ‎ارجمند .هذه المقالة ترجمت وطبعت عام 1998 ضمن ‎مجموعة مقالات جاءت تحت عنوان “مداخل نظرية الى الثورة الاسلامية” Theoretical ‎Approaches to Islamic Revolution وتاتي اهميةهذا العمل في اقدام الكاتب على ‎الفصل بين اسباب وشروط الثورة الاسلامية من جهه ، وبين لا هوتية هذه الثورة من جهة ‎اخرى .
في بنائه التفكيكي هذا وضع امير ارجمند المسائل الثقافية والاجتماعية ‎والاقتصادية في جانب ،والمحفزات الاخلاقية والمعنوية والايديولوجية الثورية للتشيع ‎كسبب مطلق للثورة في جانب اخر ، بل في الموضع الثاني . هذا الفصل جاء متشابها ‎بدرجة ما مع التقسيم المقدم في المقالة السابعة .
4 ـ المقالة الرابعة: “دور الايديولوجية والقيادة والامة في الثورة الاسلامية” وهي مقالة ‎مختارة من كتاب عنوانه “تحليل للثورة الاسلامية”:AnAnalysis of the Islamic ‎ Revolution .
[2] منوچهر محمدي ، كاتب هذه المقالة ، في ترجمته لاسباب انتصار الثورة ، يقدم ‎اولا الامة اي الشعب ،بعدها يوضح مفهوم القيادة والدين كاهم عاملين في هذا ‎الانتصار ،وفي الوقتنفسه يؤكد على الدين ويعطيه اهمية اكبر .
ولهذا السبب قمنا بقلب ‎ترتيب الاسباب الثلاثة هذه في عنوان مقالتنا .وفي الحقيقة ان هذه المقالة تهدف الى البرهنة على الدور الرئيسي للدين في ‎انتصار الثورة.
5 ـ البحث الخامس: “الدين هو العنصر الاهم في انتصار الثورة الاسلامية” وهو بحث ‎مختار من‏كتاب(الثورة ‏الاسلامية ‏وجذورهاRoots and its Revolution Islamic The) ‎لـ عميد زنجاني[3] .الكاتب المذكور كان ولسنوات عديدة المرجع الاكثر اهمية في تشخيص المدخل ‎العام لـ “جذور الثورةالاسلامية” في الجامعات الايرانية .
وهو يعتبر الدين العامل الاساس ‎في انتصار الثورة فيما يعتبر العناصر الاخرى عوامل ثانوية مساعدة . ومن جهة نظرنا ، لا ‎يوجد هناك تمييز بين (الدين) و(القيادة الدينية) في المقالتين الرابعة والخامسة .
في ‎المقالة السابعة سوف نرى ، ان هذا التمييز يصبح ضروريا جدا .
6 ـ المقال السادس: الموسوم بـ “دراسة مقارنة لنظريات متباينة حول اسباب ‎وحوادث الثورة الاسلامية” هو تجميع لمقالتين من نفس العنوان: الاولى من كتاب “الثورة ‎الاسلامية والجذور”[4] ، والاخرى: اجزاء من كتاب “مقدمة للثورة الاسلامية” بقلم صادق ‎زيبا كلام (1980) .
المجموعة المذكورة ، توليفة من عدة مقالات وبحوث قدمت الى المؤتمر الاول ‎للثورة الاسلامية وجذورها عام 1995 ، وفيها يحاول الكاتب تفنيد النظريات الاربعة: ‎المؤامرة ، التحديث ، الاقتصاد ، الدين ، ويقدم عليها جميعا (نظريةالدكتاتورية) كاهم ‎سبب لانتصار الثورة الاسلامية .
ونظرا لوجود ايضاحات مفصلة كثيرة بشان هذه النظرية ‎وانها طبعت في كتاب “مقدمةللثورة الاسلامية “[5] من قبل نفس الكاتب ، فاننا اضفنا اجزاء ‎من هذا الكتاب الى المقالة المذكورة .
ان نظرية الدين تؤكد على ان ارهاصات الثورة الاولى بدات في ‎محاولاته التوضيحية للبرهنة على دور الدكتاتورية .
من وجهة نظرنا ، وكما هو نقده ‎للنظريات الاربعة المذكورة ، فان هذا النقد هو الاخر ياتي على فرضيته في ترجيح دور ‎الدكتاتورية في مسلسل تبيان الاسباب .
7 ـ المقالة السابعة تبدا بنقدنا التفسيري للنظريات الخمسة ، وبعدها نطرح نظرية ‎اخرى تحت عنوان: “دورالقيادة الدينية في انتصار الثورة الاسلامية” .
تاسيسا على هذه الرؤية ، يكون العنصر الاكثر اهمية في تاكيد هذا المبنى في ‎تقويم الثورة و(اضعاف شرعية الملكية) هو التجديد او التحديث ، ومع ذلك فان العامل ‎الاكثر حسما في تحقيق انتصار الثورة الاسلامية هو القيادة الدينية للامام الخميني (قدس) .
‎في هذه المقالة تم تمييز عامل القيادة هذا بشكل واضح عن عامل الدين ، اي عامل ‎الزعامة الدينية عن الايديولوجية الثورية للشيعة .
يؤكد الكاتب ان الاستدلال على صحة هذه النظرية او عدم صحتها قد تم تاجيله ‎لفرصة لاحقة اخرى ،واننا في هذه المخطوطة المطبوعة سوف لا نتعدى كثيرا الاستدلال ‎على وجود هذه النظرية فقط .
هذه المقالات السبع تتداخل منطقيا بعضها مع البعض الاخر .
ومن هنا فاننا نامل بان ‎ننهض بهذه المجموعة لتقديم عون محدود للباحثين ، واضعين بين ايدي محبي الثورة ‎الاسلامية ودعاتها شيئا يمكنهم من فهم هذه الظاهرة التاريخية العظيمة والاقتراب من ‎استيعاب اسباب انتصارها .
ان دراسة الثورات السياسية والاجتماعية تحتل فضاء او مساحة مهمة في بحوث ‎العلوم الاجتماعية .كما ان حدوث او وقوع الثورات الطارى‏ء والنادر يمنح احتمالات استثنائية ‎وفريدة للبحث العلمي ويزوده بامكانات مهمة لاختبار النظريات وفحص الخبرات ‎والدعاوى القائمة ،ويقدم كذلك استنتاجات واستدلالات جديدة ومتينة .
فحتى عقود ‎قليلة انصرمت، كانتنظريات الثورة تركز على تجارب الثورات الفرنسية والروسية ‎والصينية فقط.
في العقود المتاخرة ، وبعد تفجر الصراعات والانتفاضات واخيرا الثورات في ‎العالم الثالث، فان مايسمى “الجبهات الاستطلاعية او الكاشفة” fronts exploration ‎تحركت باتجاه التاريخ[6] ، كما ان دراسات جادة في النهضات والثورات في الاقطارالمتحررة حديثا ، واقطار ما يسمى بـ (العالم الثالث) ، قد اتسعت بشكل ملفت للنظر .
ومع ثورتين ناجحتين في ايران ونيكاراغوا وجد هذا الملف عمقا جديدا ، ‎وراحت بحوثهتترى في نهاية السبعينات .
ان النهضات الفائرة للشعوب بين سنتي 1978 ‎و 1979 وانفجار الثورة الاسلامية وانتصارها الكاسح وتاسيس اول جمهورية اسلامية ‎معاصرة تعتبر اهم احداث العالم في تلك الفترة ، حيث اصبحت مركز الاهتمام والتحقيق ‎لكل الثورات وقطب رحاها .
قبل بداية الهيجان الذي انتهى بانتصار الثورة الاسلامية في ‎ذلك ، ورغم المحاولات العلمية العديدة ، في رسم مخطط الثورة وتفسير الحدث كنظرية ‎كان يمكن التنبؤ به ودراسته كظاهرة ، الا ان عددا قليلا جدا من الناس توقعوا سقوط ‎الشاه فضلا عن الانقلاب عليه ، وكذلك سقوط الملكية القديمة وتاسيس الجمهورية ‎الاسلامية.
ان احتمال ايجاد او خلق حالة من القلق واللااستقرار في منطقة من مناطق ‎الشرق الاوسط، التي كان تتعتبر (جزيرة الاستقرار) Island of stability لم يكن ماخوذا ‎في الحسبان.
وفي الحقيقة ، فان حدث الجمهورية الاسلامية ادهش معظم المتابعين ‎والمحللين، من صحفيين وسياسيين اجانب في الخارج ، وادهش ايضا خبراء وباحثين ‎ومنظرين ايرانيين في الداخل .ومع انتصار الثورة الاسلامية بدا سيل جارف لمختلف التحليلات لم ينقطع بعد .
‎والان اصبح عدد الكتب والمقالات المدونة عن سبب الثورة ‎وطبيعتها يشكل كما هائلا من المجلدات لا يمكن احصاؤه .
ومع ذلك فان هناك اختلافا ‎ولغطا ما زالا قائمين بين الباحثين حول طبيعة الحكم البهلوي وتركيبة المجتمع الايراني ‎وغير ذلك .
اضافة الى ذلك فان الدراسات والنظريات النقدية المعنية بالثورة الاسلامية ‎لم تذهب عميقا في تحليل ابعاد هذه الثورة ولم تدرسها من كافة زواياها ، ومع ذلك فان ‎الثورة الاسلامية لعبت دورا هاما في بلورة اراء المنظرين وافكارهم ، وفي تقديم ‎النموذج النظري الجديد المعتبر .
ان هدفنا من هذا الخط العريض هو الاستذكار السريع والعابر لتصورات مختلفة ‎للعديد من الكتاب الاجانب الذين راحوا يقتبسون من الثورة الاسلامية ما يشاؤون ، ‎املين منجانبنا ان كشف او تجلية هذه التصورات والرؤى سيفتح الطريق امام الباحثين ‎الايرانيين للمزيد من الدراسة والتحقيق العميقين .
ان تحليل الثورة الاسلامية يقع في قالبين رئيسيين ، فهناك كتابات بسيطة تاخذ ‎البعد الاعلامي والصحفي ، وهذه الكتابات ليست علمية بطبيعة الحال ، وهناك اعمال ‎اخرى راحت تدرس الثورة وتحللها بشكل اعمق وابتداء من جانبها النظري المنظور .

‎وهنا ، وبعد الاشارة الى هذه التحليلات الصحفية غير العلمية ، سوف نمر مرورا على ‎الرؤى النظرية المختلفة الخاصة بالثورة ، ونتوقف قليلا عند ابعادها الاكثر عمقا .
التحليلات الصحفية وغير العلمية :ان اعمال وكتابات الكثير من السياسيين والعسكريين والدبلوماسيين ‎والصحفيين وغيرهم الخاصة بالثورة الاسلامية تقع ضمن هذه التصنيف .
بعض هؤلاء ‎يختزنون خلفية بيوغرافية خاصة ربما تنطوي على ذكريات وخواطر ما قبل الثورة وما ‎بعدها .
بعض اخر ، او مجموعة اخرى تعرض بعدا ثانيا وربما تقارير غير دقيقة ، تقدم ‎خلالها مسلسلا من العوامل كاسباب للثورة بدون اي مرجع نظري او مرجح علمي .
هذا ‎النمط من الكتابة يعرض برنامج الثورة بشكل روائي وينطلق تحليله بشانها من هذا ‎المنطلق . بالتاكيد ، ان بعض هذه الاعمال ، وبسبب تدفقها الروائي المتين ، يمكن ان ‎تكون مفيدة للمحللين والباحثين .
كما ان قسما من هذه المادة كانت كتبت من قبل سياسيين غربيين وموظفين ‎سياسيين اجانب، وتحديدا سفراء لاقطار غربية في طهران ومن يدور في فلكهم في ‎العاصمة الايرانية .ومن بين هذه الكتابات يمكن الاشارة الى خواطر السفير البريطاني ‎انثوني بارسونز، والسفيرالاميركي وليم سليفان وكذلك الجنرال روبرت هويسر[7] .
سوليفان ـ الذي عاش في طهران بين عامي 1977 و 1979 ، كان شاهدا على انفجار ‎الثورة متابعا لمسلسل احداثها الى نهايتها ، يصف تلك الفترة باسلوب قصصي روائي في ‎كتابه (رسالة الى ايران) Mission toIran مبرزا دور الشخصيات القيادية في الدائرة ‎السياسية وفي مخطط الثورة الايرانية .
يصف محتوى الكتاب الظروف الاقتصادية ، وموقف العسكر وقوى الشرطة ‎والامن الداخلي والبناء الاجتماعي ودور الشيعة في المجتمع الايراني ، ويقدم بعض ‎المعلومات للقارى‏ء في كل حقل من هذه الحقول .
ومع ذلك يعترف بعدم احاطته بايران ‎او الوضع الايراني قبل توليه منصبه كسفير كما انه لم يبذل جهدا في توضيح خلفية ‎المعلومات والامور التي دونها[8] او استقى معلوماته منها .
اعمال اخرى من مثل هذا الطرح الروائي تضمنت ذكريات وكتابات لبعض ‎الشخصيات المسؤولة في حكومة بهلوي .
ومن بين من سنشير اليهم هنا هو محمد رضا ‎بهلوي نفسه، والذي يبحث بعد سقوطه ـ وفي كتاب (جواب للتاريخ)History to Answer ‎ سبب ظهور الثورة وعاقبة السقوط وميكانيكية المؤامرة عند الحكومات الغربية .
كانت ‎مذكراته ومحاولته هذه هشتان وتعبران عن بساطة وسذاجة[9] وقد ظهرت مشدودة ‎تماما الى (نظرية المؤامرة) conspiracytheory ومع كل حادثة ذات علاقة بمصدر ‎انساني ، وكان هذه النظرية تمتلك قدرةمطلقة قادرة على ان تفعل كل شيء ترغب فعله ‎متى شاءت وانى شاءت .
وفي قضية الشاه تظهر حقيقة هذه القوة المطلقة متجلية في ‎الغرب والقوى الغربية وتحديدا في الولايات المتحدة وبريطانيا .
ان تفسير الشاه ‎للاحداث كان منشدا تماما لحالة رعب وهلع واضحة كان الرجل يعيشها ، او تجاه ‎هاجس مخيف كان مغروزا او كامنا في ذهنه لمدة طويلة .
شخصيات اخرى ذات علاقة مع الحكم البهلوي تبنت نفس التحليل للثورة . على ‎العموم ، لم يقدم هؤلاء اي دليل لتصديق او معاضدة هذا التحليل ، وبالتالي يمكن قراءة ‎هذا النوع من التحليلات والكتابات كمشاريع دراسات نفسية في فهم الشخصيات التي ‎تعتقد بها، فريدونهويدا ، حسين فردوست ، عباس غارة باقي ، وبرويز راجي ، وكلهم ‎خبراء وعسكريون في عهد بهلوي ، كانوا وضعوا الثورة الاسلامية في مذكراتهم وفق هذا ‎المنحى .
[10] مثال على ذلك ، فريدون هويدا ، شقيق رئيس الوزراء انذاك امير عباس هويدا ، ‎وواحد من اقرب المقربين لنظام الحكم في ايران ، في كتابه (سقوط الشاه) ‎The Fall of the Shah ، وبعد استعراض مسلسل الازمة التي ادت الى هذا السقوط ، ‎يعود الى جذور هذه الازمة .
وحين يصف الثورة ،يروح عميقا في تحليل البنى ‎الدكتاتورية واخطاء الملكية او خطلها اذ يعتبرها عوامل صميمية في انبثاق الثورة ، كما ‎يسلط الضوء على الانهيار المالي ، ورقابة المطبوعات ، والانحطاط الاخلاقي وتضخم ‎مشتريات الاسلحة ،وانحدار الاقتصاد ،ونظام الحزب الواحد وسوء تقدير فاعلية ‎العامل الديني وكلها يعتبرها عوامل رئيسية في الثورة .
[11] في هذا العرض ، تم الفات النظر ‎الى توجه الشاه الزائد عن الحد نحو الدكتاتورية ، دون الاخذ بعين الاعتبار العوامل ‎الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبنى التحتية الاخرى .
عدد من الصحفيين حاولوا تحليل الثورة الا ان هذه الكتابات لم ترق الى قيمة ‎البحث العلمي المطلوب .فبعضهم لم يكونوا في عداد الباحثين الجيدين لفقدانهم ‎الاعتماد على المصادر المعتمدة وضعف مداركهم الخاصة في الميزان العلمي .
الاخرون ، ‎مع ذلك ، ممن كانوا اكثر وثاقة وامانة ورغم اعتبارهم روائيين تاريخيين ، الا انهم قدموا ‎معلومات قيمة للقراء باعتمادهم وثائق وشهادات رسمية وغير رسمية واحيانا من وحي ‎تجاربهم الشخصية .
ضمن هذا النوع من الكتابات التي حاولت تحليل الثورة تحليلا علميا في جوانبها ‎التاريخية، واطارهاالشكلي هو كتاب “قصة الثورة”The story of theRevolution . ‎المادة المعروضة في هذا الكتاب اعتمدت على مصادر علمية لا باس بوثائقيتها .
ويعتبر ‎الكتاب عرضا موجزا للاحداث المهمة التي مرت بها ايران في العقود المتاخرة .يصف ‎الكاتب في البداية الحركات المدنية في عهد القاجار حيث يشير الى فاعلية مساهمة ‎المؤسسة الدينية ،باحثا عن جذور الثورة الاسلامية في تلك الاحداث .
يعزو الكاتب بداية الثورة الى سياسة الحقبة البهلوية عموما حيث الحكم ‎المستبد ، والعداء المستحكم تجاهالمؤسسة الدينية ،والتدخل الاجنبي لاسيما ذاك الذي ‎ضلع به الاميركان بعد انقلاب 19 اغسطس عام 1953 .
وفقا للكاتب ايضا ، وفي ‎السنين الاخيرة من حكم محمد رضا شاه ، حيث تنفيذ السياسات الاقتصادية الطموحة ، ‎وتاكيد القوى الاجنبية على مسائل حقوق الانسان ، وجدت الحكومة نفسها تحت ضغط ‎شديد لا فكاك لها منه .
ان تسلسل الاحداث الذي رسم مسار الثورة ، كانت له الحصة الاكثر تفصيلا من ‎العرض في هذا الكتاب وتحديدا من فترة يناير 1977 الى فبراير 1978 ، كما ان اجواء ‎الثورة وصفحاتها المتعاقبة ونشراتها الخبرية وخطاباتها مثبتة بدقة . وفي فصله التحليلي ‎ينطوي الكتاب على اراء وافكار العديد من السياسيين والباحثين حول الثورة الايرانية .
‎في نهاية الكتاب زود الكاتب تحليله عن الثورة بقائمة مصطلحات اجتماعية طويلة او ‎قصيرة ضمنها العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية .
وبهذا الفصل يفند ‎الكاتب التنظير السطحي لنظرية المؤامرة سواء ارتكز هذا التنظير على الدور الاميركي ‎في ايجاد حزام اخضر حول السوفييت لمنع الاختراق الشيوعي ، او الدور البريطاني ‎المزعوم في الاعداد للانتقام من اميركا التي حلت محلها في ايران .
[12] بين الكتاب غير الايرانيين ، يمكن ان نشير الى دلب هيروHiro [13]Dlip الذي ‎يراجع المفهوم الاسلامي ونشوء التشيع والعلاقة بين الشيعة وعلمائهم والحكومة وجهة ‎اخرى .
وفي تحليله لاحداث حقبة بهلوي ، يشير الى نوعين من الثقافة(الثقافة التقليدية ‎في اوساط علماء الكلام والطبقة العاملة ، والثقافة المتغربة في اوساط التجديديين ‎والحداثتيين والطبقات المترفة) والتي ترشحت من اصلاحات رضا شاه السريعة الخطى .
‎ففي زمان رضاشاه ، يوضح الكاتب مسار التحولاتالتي انتهت بتخويل الشاه سلطة ‎مطلقة ، مقترنة بقمع شديد للمعارضة ، مع عمل متواصل لاضعاف القادة الدينيين وعزل ‎الامام الخميني (قدس سره) .
‎ يعزو هيرو نمو المعارضة الى التضخم وفقدان الحرية في المجتمع ، ويوضح ان ‎وجود الضعف في الوسط المعارض المنظم ، وقمع التجمعات والتنظيمات المعارضة هما ‎اللذان فتحا الطريق امام القادة الدينيين وابقاهم في ساحة المواجهة لتزعم حركة ‎الاحتجاج .
جاء هذا في سياق خاص كان الشاه عقد فيه اتفاقا مع واشنطن حيث انفتح ‎المجتمع بعض الشيء على افق جديد تنفست فيه المعارضة هواء جديدا في اجواء حركة ‎دستورية جديدة، وتململت فيمناخ وفضاءات مختلفة .
وكما نرى ، ان هذا النوع من الكتابات لم يرتكز على اطار نظري معين ، ولذلك ، ‎وحين ياتي وصف ظاهرة مهمة مثل الثورة الاسلامية ، فان المعنيين يروحون يجمعون ‎حقائق ومعطيات من اجواء مختلفة تضع العوامل التاريخية البعيدة جدا الى جوار ‎الحوادث المتاخرة ،وكذلك العناصر البنيوية الحاضرة جنبا الى جنب مع العناصر ‎الفردية .
وبدون اي تاسيس لاي ترابط منطقي مع هذه الظواهر والمستويات المتباينة اننا ‎نجد انفسنا هنا في تناقض حاد مع المدخل الذي يعتمد على البناء النظري ويمكن ان ‎يقودنا الى الايضاح السببي للظاهرة ، اي بلحاظ امكانية المقارنة اولا ، وتعبير الطريق ‎لدى استظهارها في ظروف مشابهة في مجتمعات اخرى ثانيا .
الفصل القادم سيعني ‎بالجهود التي بذلت في هذا السبيل .
محاولات لتوصيف الثورة الاسلامية: خلال السبع عشرة سنة الماضية ، تم طبع كم هائل من الاعمال العلمية الممتعة ‎بالاعتماد على مقاربات نظرية مختلفة لتحليل الثورة الاسلامية .
العديد من الكتاب ‎حاولوا تفسير الثورة على ارضية دعاوى ومزاعم متباينة موزعة على ملاحظات علمية ‎في شرح ظاهرة الثورة .
محاولات عديدة استخدمت الثورة الاسلامية كقضية نظرية ‎لتحريك نظريات ومتبنيات اخرى . وبهذه الطريقة تم استخدام عدد من النماذج ‎والاطروحات في مفاهيم ونظريات قديمة .
بعض المنظرين نظر الى الثورة من زوايا ‎مختلفة فيما حاول اخرون تفسير الحدث بالاعتماد على نماذج افتراضية متباينة وقدم ‎عرضا مركبا ومرتبكا لها . ‎ مسلمين بعدم جدارة النظريات الطبقية الاجتماعية الماورائية ، كانت هناك ‎محاولة متواضعة لتوظيف هذه النظريات في توصيف الثورة الاسلامية ، ومع ذلك ولما ‎كان يمكن العثور على اثار وبصمات ذلك في الكتابات المتاخرة ، ولو في اطار عام ‎ورؤى عمومية حيال ظاهرة الثورة ، فان مفاهيم المنظرين ومزاعمهم وتقريراتهم كانت ‎استخدمت في اطار نموذجي جديد ، ومن بين هذه الاعمال تلك التي اشار اليها ‎كولدستون ضمن ما سماه الجيل الاول firstgeneration من نظريات الثورة[14] .
يبدو ان العرض الروائي لـ كرين برنتون مثلا المنتزع من نموذج التاريخ الطبيعي[15] ‎يتطابق عموما مع الخطوات المختلفة لدورة حياة الثورة الاسلامية .
بطرح المثقفين جانبا ، يبدو ان ازمات الحكومة العصية على الحل هي التي هيات ‎اجواء الثورة. كما ان تعاطي النظام غير المسؤل مع هذه الازمات ، لاسيما اقحام بعض ‎الاصلاحات الضرورية بصورة غير مناسبة وباسلوب سيء ، فضلا عن افتقاده للقوة ‎المؤثرة او الاشخاص المؤثرين ، كل ذلك مهد الطريق امام الانفجار الكبير .
هذا النموذج ‎تمت الاشارة اليه في بعض الاعمال المعنية بشان الثورة الاسلامية[16] ، الا ان ايضاح ‎التاريخ الطبيعي لم يكن بامكانه تفسير تلك الازمات الحكومية وكيف ساهمت سياسات ‎الشاه في ايجاد حكومة لم تكن تبالي او تهتم بالعوامل الاستفزازية التي تهب رياحها من ‎الخارج ، كما انها لم تكن حساسة تجاه الاثار المدهشة التي تترشح عن مسارات ‎الاحداث التاريخية العالمية على الحكومات القومية ، وكيف فعلت التحولات الاخيرة ‎في البنى الاجتماعية والاقتصادية (كما في قضية ايران) فعلها غير العادي في تغيير ‎الوضع الطبقي في المجتمع .
نموذج برنتون لم يكشف الترابط الوثيق للجماعات المعارضة وكيف ‎تسعى لتحقيق اهدافها المحددة .
بكلمة اخرى انها لم تستطع تصور او تصوير التشكل ‎الخفي للعوامل المؤججة للثورة ، ورغم ان الثورة الايرانية مرت بنفس المراحل التي تمر ‎بها الثورات الاخرى ،الا ان الاطار الذي وضع فيه برنتون اطروحته لم يف بوصف ‎الظروف والاجواء الثورية التي قادت الى انبثاق الثورة في ايران .
[17] من بين النظريات المهمة في دراسة الثورات والتي جاءت تحت عنوان الموجة ‎الثالثة او الجيل الثاني والثالث يجب ان تؤخذ بعض النظريات الاقتصادية ـ الاجتماعية ، ‎اوالاجتماعية ـ النفسية ،او الاجتماعية ـ السياسية ـ النفسية بنظر الاعتبار ، اضافة الى ‎ذلك يجب ان تؤخذ اهمية الاسلام والتشيع في عموم مسار الثورة بنظر الاعتبار ايضا ‎وجنبا الى جنب مع ايضاحاتها الثقافية والفكرية .
بلحاظ محددات الثورة ، يقرر جمع من الكتاب بان ابعادا معينة لا ينبغي ان ‎تستدرجنا او تصرف انتباهنا عن الابعاد الاخرى ، ولذلك فانهم اختاروا منهج تعدد ‎الاسباب في دراستهم للثورة .
وتاسيسا على العوامل الفكرية ، والاجتماعية ـ ‎الاقتصادية،والاجتماعية ـ النفسية ، والسياسية ، ومنهج تعدد الاسباب ، يمكن القول ‎ان هناك خمس ايضاحات او تفسيرات ينبغي ان توضع في الحسبان عند محاولة قراءة ‎الثورة الاسلامية بعمق .
التاكيد على اهمية الثقافة: من هذه الزاوية ، لا ينبغي البحث عن اسباب ‎الاسلامية هي استمرار او امتداد لهذا النضال .
وهذا يستتبع بطبيعة الحال القول بان سقوط الملكية يجب ان لا يبحث بمعزل عن ‎تجاهل هذا الدور للقيم والمبادى‏ء الدينية ، وذلك في سياقات اهلية هذه المؤسسة على ‎تعبئة الامة اعتمادا على المشاعر الاسلامية .
[18] الاستاذ حامد الگار في كتابه (جذور الثورة الايرانية) ، يعرض “التشيع وقيادة ‎الامام الخميني” كمبدا استنهاضي فاعل ، كما ان عرضه للاسلام كايديولوجية كلها ‎يعتبرها جذورا وامتدادات للثورة ، ولكنه لا يضع هذه العوامل كاطار علمي ونظري ‎وحيدا لها.
[19] عساف حسين في كتاب (ايران الاسلامية ـ ثورة ومواجهة) يؤكد بان فهم وتقييم ‎الثورة الاسلامية من خلال القراءة العلمانية الغربية يعتبر مستحيلا[20] ، ومن هنا فان دراسة ‎الثورة يجب ان ياخذ العنصر الايديولوجي بنظر الاعتبار ، وكذلك دور المعارضة ‎الاسلامية، والشرعية ، والتربية ، ولاسيما القيادة[21] .
ان تحليله هذا بالتاكيد اجدر بفهم ‎الثورة من ترسيم اسبابها الاخرى .
بالاضافة الى ذلك يشاطر الكتاب المذكورين الذين لهم نظرة ايجابية عن الثورة ‎الاسلامية بعض المحللين والنقاد الاخرين الذين اولوا اهمية خاصة للبعد الثقافي .
سعيد ‎امير ارجمند في كتابه: (العمامة امام التاج: الثورة الاسلامية في ايران) يرى انه من اجل ان ‎نفهم الثورة الايرانية ، علينا ان ناخذ بعين الاعتبار عاملين رئيسيين ضروريين: الاول هو البناء الديني المحلي للمرجعية الشيعية ، والاخر هو التحديث الحكومي ‎للمجتمع الايراني .
انه يلتفت التفاتة عابرة الى العوامل الاجتماعية ـ الاقتصادية ويولي ‎اهتماما اكبر لدور القيم الاخلاقية في الثورة ، موضحا الخصائص الحاسمة في الثورة كقيم ‎شرقية ، او شرقية المنشا . ويؤكد الكاتب على اهمية الايديولوجيا للثورة كخصيصة ‎فاعلة لتعريف وتحديد هويتها .
في هذا الكتاب تظهر الثورة كنتيجة لتلاشي بريق الشاه ‎ونضوب الزيت في قنديل شرعيته اكثر من كونها نتيجة لتمزق او تفكك المؤسسة ‎العسكرية .
[22] على اية حال ، يبدو ان الرؤية الثقافية فقط لا تستطيع ان تنهض لوحدها في ‎تفسير الثورة لانها تترك او تتجاهل العديد من الابعاد والمسائل الاخرى ، مثال ذلك ، ‎لماذا لمتفلح حركة 15 خرداد 1953 ، التي انطوت على نفس الروح الثقافية كحركة ‎ثورية استمرت الى سنة 1977 ـ 1978 في تحقيق الانتصار ، فيما استطاعت الثورة ‎الاسلامية انجاز ذلك؟ وهذا يعني بان العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية يجب ‎ان تؤخذ بنظر الاعتبار عند قراءة هذه الثورة ايضا ، في راي (فوران) : الاشكالية في هذه ‎الرؤية ، انها لا تركز على دور القوى الاجتماعية الاخرى ،كما هو تاكيدها او تركيزها ‎على الدور الثقافي وعاملي التشيع والمؤسسة الدينية .
[23] التركيز على اهمية العوامل الاقتصادية والاجتماعية: الكتابات التي تؤكد اهمية الابعاد الاجتماعية ـ الاقتصادية في انبثاق الثورة ‎الاسلامية هي باختزال ،انعكاسات المدخل الفكري او الثقافي او اختصاره .
ففي هذه ‎التحليلات، يظهرالتاكيد على البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية اكثر من غيرها ، ‎فيما تعتبرالعوامل الثقافية والسوسيولوجية مجرد مزاعم .
وبهذا فانها لا تصلح لهذا ‎النموذج من القراءة اي النموذج الوصفي او التصويري .
واحد من الاعمال التي تشرح الثورة الايرانية وتعتقد بفاعلية العوامل الاقتصادية ‎هو كتاب (الاصول الاقتصاديةفي الثورة الايرانية) بقلم: روبرت لوني Looneyالذي يقوم بتحليل ستراتيجيةالتنمية ويستنتج من خلاله بان تنفيذ هذا المخطط وبلحاظ ‎الحاجة للاصلاحات الجذرية ، لا يمكن ان ينجح .
اي ان الحكومة لم تكن قادرة على ‎التمييز بين مدار عدم القناعة الناشى‏ء عن فقدان العدالة ، وبين سوء التقديرات ‎الاجتماعية الموروثة في البرامج الاقتصادية المرتكزة على نماذج التنمية .
في برامج التنمية الاقتصادية ، يجري التغاضي على العلاقة بين الاهداف التنموية ‎والمشاكل الناتجة عن المسار السياسي والتي لها الدور الرئيس في تحديد وضع البلد ‎الامني واستقراره السياسي .
وهنا يعتبر التضخم مسالة لا قيمة لها ومشكلة سهلة الحل ، ‎ولكن الصدمةفاجات الجميع عندما وصلت الامور الى درجة لم يعد بالامكان ‎تجاوزها ، بحيث اصبحت لها علاقة مباشرةواكيدة مع الاستقرار السياسي ، وبدل ان ‎تنتهج الحكومة سياسة صارمة وتبذل جهدا استثنائيا للحد من ذلك ، راحت متجاهلة ‎هذه المسالة بل لم تكن تعتبرها ذات صلة باثارة الازمة .
عند هذه النقطة ، تولدت العلاقة بين التحول الاقتصادي وتقلص الدعم ‎الحكومي ، لتكشف عن نفسها ، الامر الذي جعل من سوء توزيعالدخل القومي الشرارة ‎او الوقود الذي اشعل غضب الناس وادى الى نفاد صبرهم وقناعتهم .
الترقيع البسيط في ‎التعاطي مع هذه المشكلة لم يعد كاف لاحتواء عواصف الثورة التي بدات تهب وتسير الى ‎نهايتها .
من هذا المدخل يمكن اكتشافاللامبالاة الحكومية ،وعدم ظهور اي اثر لتقدير ‎دور البنية الاجتماعية ، او دور الايديولوجية او القيادة .
بعض الحكومات التي تواجه ‎مثل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة ، تبادر لتطويق الغليان او الصخب قبل تحوله الى ‎ثورة عارمة لا يمكن تطويقها .
هناك دور مهم لطبيعة التاثير البنيوي في النظامين ‎السياسي والاجتماعي واعتمادا على شرعية الايدولوجية او شرعنتها ، الا ان المدخل ‎الاقتصادي في هذا الشان لم يعر هذه المسالة اهتماما مطلوبا .
[24] يقدم همايون كاتوزيان في كتاب (الاقتصاد السياسي في ايران) The Political ‎Economy of Iran وصفا كاملا للثورة الاسلامية بتحليلظروف ايران من القرن التاسع ‎عشر حتى تاسيس الجمهورية الاسلامية .
انه يعرف السنوات المحصورة بين 1961 الى ‎1978 بانها سنوات (دكتاتوريةالنفط) في هذه الفترة ، شكلت بعض عناصر الحداثة التي ‎حشرت في المجتمع وجنبا الى جنب مع اموال النفط ، اطارا لما يسمى (التحديث الكاذب) ‎او (العصرنة الكاذبة) ، اذ لم يكن هناك رفض للقيم المستوردة ولا رؤية نقدية للمفاهيم ‎الاجنبية الدخيلة ،وكان الشعب الايراني شعب معوق لا حول له ولا قوة ولا ارادة .
يعرض الكاتب الترابط بين دكتاتورية النفط ومظاهر التحديث الكاذب وكانه او ‎كانها الاسباب الاعمق للثورة الايرانية ، ويروح معتقدا ، لنفس السبب ، ان الحركة ‎الثورية لها طبيعة مضادة للدكتاتورية وكانها كانت هي الاخرى بالضد من التحديث ‎الكاذب هذا.
يلاحظ كاتوزيان ايضا بان الحكومة والبنية الاجتماعية لايران يختلفان بالكامل ‎عن تلك التي في الغرب ،اذ اننا لانستطيع القول بان هناك حكومة مطلقة في ايران ، ولكن ‎يمكن القول بوجود دولة مطلقة فيها ، وان الحكومة في ايران كانت حكومة مركزية ، او ‎اتوقراطية وغير مقيدة باي قانون او عرف .
اضافة الى ذلك ، ولعدم وجود الخلفية ‎الاقطاعية وهيمنة الحكومة المطلقة على الاقتصاد الذي كان مدعوما بواردات النفط ، فان ‎ايران ، ونقولها بشدة ، كانت بدون اي تمايز اجتماعيا و طبقي . وان الحكومة ، لم تكن ‎تعتمد على المجتمع لانها كانت تعتمد اساسا على اموال النفط .
[25] رغم تحليلات كاتوزيان المقنعة ظاهريا ، الا ان افتقاده القدرة على تشخيص ‎القوى الاجتماعية والبؤر التي تحت سيطرتها ، منعته من معرفة سبب انبثاق الثورة في ‎فترة محددة بعينها .
كانت هناك اقطار كثيرة اخرى تعيش نفس اوضاع ايران ، في ‎اعتمادها على واردات النفط ، مع هيمنة دكتاتورية واضحة للحكومة ، كما في العربية ‎السعودية ونيجيريا ،الا ان ذلك لم يؤد الى الثورة .
اكثر من ذلك ـ وكما يثبت فارهي ، ان ‎كاتوزيان ،في تاكيده على دور الحكومة المطلقة ـ لم يستطع الاجابة على السؤال القائل: ‎لماذا ، اذن لم تتمكن الحكومة من قمع المعارضة؟ وهذا يعني بالضمن تحديد لهيمنتها .
‎بعبارة اخرى ان استخدام كاتوزيان لـ (مفهوم) الدكتاتورية اعجز تحليله عن ادراك دور ‎الضغوط الداخلية والخارجية ووضعه في عنق الزجاجة .

مركز الدراسات الثقافية الدولية

عن شبكة نهرين نت الاخبارية

شبكة نهرين نت الاخبارية.. مشوار اعلامي بدأ في 1 يونيو – حزيران عام 2002 تهتم الشبكة الاخبارية باحداث العراق والشرق الاوسط والتطورات السياسية الاخرى والاحداث العالمية ، مسيرتها الاعلامية الزاخرة بالتحليل والمتابعة ، ساهمت في تقديم مئات التقارير الخاصة عن هذه الاحداث ولاسيما عن العراق ومنطقة الخليج والشرق الاوسط ، مستقلة غير تابعة لحزب او جماعة سياسية او دينية ، معنية بتسليط الضوء على التطورات السياسية في تلك المناطق ، وتسليط الضوء على الدور الخطير للجماعات الوهابية التكفيرية وتحالف هذه الجماعات مع قوى اقليمة ودولية لتحقيق اهدافها على حساب استقرار المنطقة وامنها .

شاهد أيضاً

الجماعات المسلحة تعلن دخول العاصمة السورية.. ورئيس الوزراء: مستعد للتعاون مع أي جهة يختارها الشعب

أعلنت الجماعات المسلحة في سوريا، صباح اليوم الأحد بقيادة رتنظيم هيئة تحرير الشام الارهابية ، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *